رؤيةُ ملك - 3 يونيو 2014

صحيفة المدينة

رؤيةُ ملك - 3 يونيو 2014

2021-10-11    583

لم تُبْتَذَلْ كَلِمةٌ في الخطابِ الـمَعْرِفيِّ المعاصرِ كما ابْتُذِلَتْ كلمةُ (الإبداعِ) وكلمةُ (الريادةِ)!
فكَمْ من أعمالٍ مُعْتادةٍ مألوفةٍ وُصِفَتْ بالإبداع!
وكَمْ مِنْ مُبَادراتٍ مُكَرَّرَةٍ مسبوقةٍ وُصفتْ بالريادة!
ولذلكَ أَصْبَحَ ادِّعاءُ أيٍّ من هَذَيْنِ تحدِّياً حقيقياً يَنْبَغِي لصاحبِهِ أن يحتَشِدَ لهُ، ويَسْتَعِدَّ لإقامةِ شَوَاهِدِهِ، وإلا انْدَرَجَ في سِلْكِ قائمةٍ طويلةٍ من الأدْعياءِ.
إنَّ الإبداعَ في حَقِيْقَتِهِ أن تَرَى مَا لَمْ يَرَهُ سِواكَ، ويَنْبَني عليه أن تَفعلَ ما لم يَفْعلْهُ سواكَ.
و(المبدِعُ) يتعاملُ مع ما هو (معلومٌ) ليُنتجَ ما ليس (معلوماً)، إنَّه يتناولُ ما بين يديِ الناسِ فيصنعُ منه ما لم يَكُنْ مِنْ قَبْلُ بَيْنَ أَيْدِيْهم، وإنْ شئتَ فقلْ: إنَّه ينظرُ إلى ما يراهُ الناسُ، فيُبْصِرُ فيه ما لم يَرَوْهُ!
والريادةُ هي السبقُ، فالرَّائدُ عندَ العربِ هو مَنْ يتقدَّمُ قَوْمَهُ لِطَلَبِ الماءِ.
والرائدُ الحقيقيُّ هو ذلكَ الذي يَشُقُّ طريقاً جديداً، فَيُعَبِّدُهُ لِـمَنْ بعْدَهُ، فيَتْبَعُهُ مَنْ سِواهُ، ولا يكونُ هو تابعاً لِسِواه وإذا اجتمعتِ الريادةُ والإبداعُ في نَسَقٍ فنحنُ أمامَ نَمُوذجٍ جميلٍ حريٍّ بالاحتفاءِ .
لا شك إن الثمرةِ الحيَّةِ للإبداعِ، هي الـمُنْتَجِ الذي يُصافِحُ أعينَ الناسِ ويُسْهِمُ في تحسينِ حياتِهِم، إنَّه يتجاوزُ التَّنظيرَ للملكيةِ الفكريةِ، ومفهومِ الإبداعِ والريادةِ، والتنظيماتِ واللوائحِ والقراراتِ.. يتجاوزُ هذا كلَّهُ إلى الـمُخْرَجِ الفاعلِ، إلى (الصيغةِ التجاريةِ) للفكرةِ البحثيةِ الإبداعيةِ، وهي كيفَ تتحوَّلُ الفكرةُ الإبداعيةُ إلى مُنْتَجٍ تجاريٍّ؟ وإذا كانتِ هذه الفكرةُ ذاتُها إبداعاً فإنَّ تحوُّلَها إلى مُنتجٍ هو إبداعٌ ثانٍ، عندها يتجاوزُ أصلَ الإبداعِ إلى واقعٍ رِياديٍّ.
إنَّ حدائقَ المعرفةِ، والحاضناتِ، ومسرِّعاتِ الأعمالِ، وسائلُ وأدواتٌ يجب أن تتعامل معها الجامعات في محاولةٍ جادةٍ لاستثمارِ طاقاتِ أبنائها ومنسوبيها، وحفز لطاقاتهم وتحقيقَ نتائجَ ممتازةٍ، تتيح للمبدعين فرصة عرض أفكارهم وهذا يؤدي في النهاية إلى تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين في تحويل اقتصاد المملكة إلى اقتصاد يعتمد على المعرفة .
إنّ هذا التحوّل لاقتصاد المعرفة بات ضرورةً عصرية، وقد سبقتْ إليه دولٌ عُظمى استطاعت من خلالِهِ أن تُنقذ اقتصادها من ركودٍ قاتل، ودوننا اليابان مثالاً، فقد مرَّتْ خلال تسعينات القرن الماضي بفترة ركودٍ صعبةٍ، واستطاعتْ تجاوز هذه المرحلة عبر توظيف المعرفة اقتصادياً، حتى إنها باتت تسجل قرابة 421 ألف اختراع سنوياً! مساويةً في ذلك للولايات المتحدة الأمريكية.
سنغافورة كذلك تمثل نموذجاً رائعاً في توظيف اقتصاديات المعرفة، وقد فازت بجائزة (مدينة المعرفة) لسنتين متتاليتين، وتمكنت عبر هذا المسلك من رفع متوسط دخل الفرد إلى قرابة أربعين ألف دولار سنوياً.
(فنلندا) نموذجٌ ثالثٌ لبركات اقتصاد المعرفة، فهذه البلادُ التي لاتملك الكثير من الثروات الطبيعية تتصدَّر اليوم دول العالمِ كلَّها في نظامِها التعليميّ، حيثُ دشَّنَتْ نظاماً تعليمياً متفرِّداً وُصف بأنّه (أكثر أنظمة التعليم غرابةً في العالم)، هذا التصدُّر المعرفيّ جعل (فنلندا) رقماً اقتصادياً صعباً ولا سيما في قطاع الاتصالاتِ.
الخلاصةُ .. إن واقعنا المعاصر شهد كثيراً من (التجارب الاقتصادية المعرفية) التي تمكّنت من تجاوز الصعوباتِ، وإيجادِ واقعٍ معيشيٍّ أفضل، وأجزم أن خادم الحرمين الشريفين كان ينظرُ لهذه التجارِب كلها حين أطلقَ رؤيته حفظه الله باتجاه تأسيس اقتصادٍ معرفيٍّ في المملكة العربية السعودية.
إنّها رؤيةُ ملكٍ .. وعلينا جميعاً أن نكون أدواتٍ لتحقيقها بإذن الله.


مشاركة :